منذ كنا طلابًا في المرحلة الابتدائية بالأزهر الشريف، ونحن مشغولون بقضية المسلمين الأولى، قضية أرض النبوات والمقدسات، أرض فلسطين.
وكان مما أكد اهتمامي بهذه القضية أني انتسبت مبكرًا إلى مدرسة رجل كانت هذه القضية من أكبر شواغله، وفي مقدمة اهتماماته، تلك هي مدرسة حسن البنا، الذي كان من الرواد الذين نوروا العقول، وألهبوا العواطف، من أجل فلسطين والمسجد الأقصى.
كنا نسير المظاهرات الصاخبة، ونلقي الخطب النارية، وننشئ القصائد الحماسية؛ لإلهاب المشاعر، وتحريك الشعوب، وتجنيد القوى والطاقات من أجل فلسطين، وخصوصًا في الثاني من نوفمبر كل عام: ذكرى وعد (بلفور)، الذي قيل فيه: من لا يملك وعد من لا يستحق!!
وقد علق على هذا الوعد الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين بقوله: إن فلسطين ليست وطنًا بغير شعب حتى تستقبل شعبًا بغير وطن!!
وحينما فتح باب التطوع سنة 1948م، بادرنا إلى التدريب من جهة، وإلى تعبئة مشاعر الجماهير من جهة أخرى، وذهب من إخواننا وزملائنا إلى أرض المعركة من ذهب، واستشهد من ادخر الله له الشهادة، وسيق إلى المعتقل من كتب الله له الحياة، وشهدنا اندحار الجيوش العربية السبعة أمام عصابات اليهود، بخيانات الخائنين، وتآمر المتآمرين.
إسرائيل المزعومة!
وهكذا قدر لجيلنا أن يشهد سلسلة دامية الحلقات من المآسي، في قضية فلسطين.
شهدنا قرار التقسيم سنة 1947م، الذي رفضناه بالإجماع؛ لأن أحدًا لا يقبل تقسيم داره بينه وبين غاصب ظالم. ثم تمنينا لو قبلنا ما رفضناه بعد أن جرى ما جرى.
ثم شهدنا قيام دولة (إسرائيل) في 15/5/1948م، وإخراج مئات الألوف من أبناء فلسطين من ديارهم، وتشريدهم في الأرض.
شهدنا قيام دولة (إسرائيل) التي ظللنا سنوات عدة نطلق عليها اسم (إسرائيل المزعومة)، ثم خجلنا من أنفسنا حين كانت هذه المزعومة تصول وتجول على كل الجبهات، ولا نملك نحن إلا الشجب والشكوى إلى مجلس الأمن! فحذفنا وصف (المزعومة) بعد أن أوشكنا أن نكون نحن (المزعومين)!!
شهدنا النكبتين الكبيرتين: النكبة الأولى سنة 1948م، والنكبة الثانية 1967م، التي احتلت بها إسرائيل ما بقي من فلسطين: الضفة الغربية بما فيها القدس، وغزة، إضافةً إلى سيناء والجولان وجنوب لبنان.
فصل جديد في المأساة:
ولكن قضاء الله لهذه الأمة، أنها لا تموت، وأنها أمة ولود لا تزال تنجب الأبطال، الذين لا يدعون الراية تسقط أبدًا، فقامت حركات النضال والجهاد لتحرير الأرض المقدسة، التي بارك الله فيها للعالمين، ابتداء من (فتح) إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقامت (الانتفاضة) التي بهرت العالم، وزلزلت إسرائيل، وما ذلك إلا لأنها انتفاضة إسلامية، كانت منطلقاتها المساجد، وراياتها المصاحف، وشعاراتها: لا إله إلا الله، والله أكبر؛ ونشيد أشبالها: خيبر، خيبر، يا يهود، جيش محمد سوف يعود!!
ولكن ها نحن اليوم نشهد فصلاً جديدًا، لم يكن ليخطر لنا على بال، قلب كل الموازين، ونقض كل القواعد، وغير كل الثوابت التي أصبحنا وأمسينا عليها نصف قرن من الزمان، ونشّأنا على ذلك أطفالنا، وربينا عليه شبابنا، فشب عليه الصغير، وهرم عليه الكبير: أن إسرائيل خطر عسكري وسياسي وديني واقتصادي وثقافي، وصنفت في ذلك مؤلفات، وأنشئت لذلك مراكز ومؤسسات، وعقد له ندوات ومؤتمرات.
وكم أبدأنا وأعدنا في حقنا في الأرض كل الأرض، وأن العدوان لا يكسب المعتدي شرعية، وما قام على الباطل فهو باطل... إلخ، ثم تخاذل المتخاذلون، فإذا هم يرضون بالواقع بعد عدوان 5/6/1967م، وإذا هم يبنون سياستهم على مجرد إزالة آثار العدوان، والرضا بالعودة إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967م، أي أن العدوان الجديد كأنما أضفى الشرعية على العدوان القديم! عدوان (1967م) أنسى عدوان (1948م).
ثم زاد الطين بلة -كما يقولون- فرضي من رضي بمجرد حكم ذاتي تحت سلطان إسرائيل!!
ثم انتهى المطاف إلى ما شهدناه اليوم من قبول الدون، والقرار الهون: من تجزئة الحل، وإسقاط القدس، والتنازل عن جزء من دار الإسلام لغاصبيه، والسكوت عن حق الملايين الثلاثة أو الأربعة في العودة إلى ديارهم المغصوبة، ومد يد المصافحة إلى أبطال دير ياسين وصبرا وشاتيلا وغيرها.. كل هذا في مقابل 2% من مجموع أرض فلسطين، على نحو ما قال العربي قديمًا: إذا ما لم تكن إبل فمعزى!!
أنا أعلم أن الشعوب قد تأتي عليها ساعات توقع فيها على هدنة أو صلح، وهي كارهة مرغمة، بعد اندحارها في حرب لا تملك بعدها إلا التسليم. كما فعلت اليابان بعد ضربها بالقنابل الذرية، وكما فعلت ألمانيا بعد هزيمة هتلر.
ولكن أن يستسلم الفارس، وهو شاهر سيفه، حامل رمحه، ممتطٍ جواده، وأن يعتبر استسلامه لعدوه مجدًا وفتحًا يحسب له، ويغبط عليه، ويعدّ تنازله عن جزء من وطنه مكسبًا، ويطالب الحناجر أن تهتف باسمه، والأيدي أن تصفق له.. فهذا ما لم نعهده في تاريخ الأبطال والفرسان إلا حين يستحيل الفارس إلى دمية، والفرس إلى حمار، والسيف إلى عكاز!
إنفاق على أبنائنا:
إنني أشفق على أبنائنا وشبابنا الذين حفّظناهم أناشيد الجهاد، وأغاني العودة، وعلقنا قلوبهم وعيونهم بالمسجد الأقصى، وقبة الصخرة، ومسرى الرسول، وأولى القبلتين، وصببنا في عقولهم وضمائرهم ووجدانهم كراهية بني صهيون وظلم إسرائيل التي قامت على اغتصاب الأرض، وانتهاك العرض، وتشريد الأهل. فإذا بنا -ما بين عشية وضحاها- نشطب هذا كله، وننسخه بجرة قلم، ليصبح العدو صديقًا، والاغتصاب مشروعًا، والعدوان مقبولاً، مع أن الوطن لم يتحرر، والمشرد لم يعد إلى أرضه؛ والأقصى لم يزل أسيرًا، فكأننا نقول لهذا الجيل المسكين: لا تصدقونا فيما كنا نقول لكم، إن الذي كنا نسميه بالأمس جهادًا وبطولة ونضالاً أصبح اليوم عنفًا وإرهابًا، والذي كنا نسميه سفّاحًا غدًا اليوم شريفًا. لا يوجد شيء ثابت عندنا، كل ما كان حقًّا يمكن أن يكون باطلاً، افتحوا النوافذ لتهب عليكم نسمات إسرائيل، وافتحوا الأبواب لتدخل عليكم بضائع إسرائيل، وبنات إسرائيل أيضًا، و"إيدز" إسرائيل!!
حفل التوقيع البائس:
لقد أكد رابين عشية سفره إلى واشنطن للتوقيع على الاتفاق المزعوم للسلام أن القدس ستظل عاصمة لإسرائيل، وللشعب اليهودي إلى الأبد، وأن العلم الفلسطيني لن يخفق فوقها يومًا من الأيام!! وهو بهذا يبلغ رسالة إلى الفلسطينيين يؤكد فيها أحد الثوابت التي لا تقبل التغيير، أو التعديل في السياسة الإسرائيلية، فعلى الفلسطينيين أن ينسوا قضية القدس، ويشطبوها من خريطتهم.. وأكد ذلك في حفل التوقيع حين قال أمام العالم: نحن قادمون من القدس، العاصمة التاريخية والأبدية للشعب اليهودي!!
ولقد ذكر أبو عمار، وأبو مازن في كلمتيهما: أنهما يأملان أن تحل المشكلات الصعبة المعلقة في المرحلة القادمة، وهي: مشكلات القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود، فإذا كانت هذه هي المشكلات المعلقة، فما المشكلات التي تم حلها إذن؟!
الفرق بين رجلين وكلمتين:
والحق أني كنت أتابع حفل التوقيع الذي يرونه عرسًا، ولا أرى فيه إلا مأتمًا!
كنت أقارن بين الموقفين وبين الكلمتين: موقف عرفات ورابين، وكلمتيهما، فأجد –وأسفاه- فرقًا شاسعًا.
كان موقف رابين موقف المتفضل المتنازل، وموقف عرفات موقف الممتن الشاكر! حتى إنه ختم كلمته بتكرار كلمة: شكرًا (بالإنجليزية) ثلاث مرات!
لم ينس رابين أن يتحدث عن تاريخهم القديم والحديث، وكفاحهم الطويل، وشهدائهم وضحاياهم، تمهيدًا لحديثه عن السلام، واستشهد بالتوراة، وذكر فقرات من (سفر الجامعة)، ودعا إلى الصلاة من أجل السلام، ولم يكن همُّ عرفات إلا المديح والشكر والعرفان، فلم يلتفت إلى شيء من قبيل ما ذكره رابين، ولم يستشهد بآية من القرآن، ولم يجر على لسانه كلمة واحدة عن الإسلام! ولم يذكر المسجد الأقصى بعبارة واحدة!!
انتهز رابين الفرصة، وعلم أن العالم كله يشاهده ويستمع إلى كلمته، فضمنها ما يدعم قضيته، ويحشد عواطف العالم معه، فتحدث -وهو القاتل- بلهجة الضحية، وبدا -وهو الظالم- في صورة المظلوم!
كان رابين صارم التقاطيع، متجهم الوجه، وكان عرفات ضاحك الوجه، صدقًا أو تظاهرًا، ولا أدري علامَ يضحك؟ إن كانت الظروف أرغمته على هذا الاتفاق الرخيص، فقد كان الواجب أن يبكي، فإن لم يجد بكاء تباكى! أو بدا على الأقل كما بدا خصمه.
لقد عرف تاريخ العمل الفلسطيني من قبل (أيلولاً أسود)، واليوم نراه يواجه (أيلولاً آخر) أشد سوادًا!
سلام السراب أو سراب السلام:
في معرض الكتاب بالدوحة في شهر ديسمبر سنة 1992م، وفي أمسية شعرية ألقيت قصيدة عن (سلام السراب أو سراب السلام)، عبّرتْ بها نحو مشاعري عن مسيرة السلام المزعومة، قلت فيها:
فيــا عجبًا لمن يجري *** وراء سـرابه النفسي
يظن لـه به ريـــًّا *** ويرجـع فارغ الكأس
يفرط في دم الشـهـدا *** ء يـا للعـار والبؤس!
يبيع الأرض والتاريـخ *** بالأرخص من فلـس!
بحكم في حمى صهيون *** يـا للثمـن البخـس!
فـلا دولته قامــت *** ولا أبقى على النفسـي
وضاع جهاد قرن كا *** مل دفنـوه في الرمـس
جهود كلـها ذهبت *** "كأن لم تغن بالأمـس"!
فما معنى فلسـطيـن *** بـلا أقصى ولا قـدس؟!
فلسـطين بلا قـدس *** كجثمـان بــلا رأس!
وكنا نحسب الحكم الذاتي في حمى صهيون -الذي أنكرناه وعارضناه- يمهد لدولة فيما بقي من فلسطين، فإذا الجمل يتمخض لا عن فأر، بل عن صرصور يسمى (السلطة الفلسطينية). فأين حق الفلسطينيين في إقامتهم دولتهم المستقلة على تراب وطنهم الحر؟
إنه الوهن:
إنه (الوهن النفسي) الذي حذر منه النبي، الأمة في فترات (الغثائية) من تاريخها، حين قال: "ولينـزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن". قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"[1].
وهو الذي حذر منه القرآن بقوله: {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]. {وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: 104]. فالمتاعب مشتركة، والمعاناة لنا ولهم. ولكن فرق بين من يعاني في سبيل الله والحق والعدل، ومن يعاني في سبيل الطاغوت والباطل والظلم!
إننا لا نـزايد على الفلسطينيين، ولسنا ملكيين أكثر من الملك كما يقال، ولكن هناك حقائق يجب أن تعرف وتذكر وتؤكد، وهي:
1- إن الفلسطينيين لم يؤخذ رأيهم في هذا الأمر الجلل الذي غيَّر ثوابتهم، ونقض تاريخهم، فلم تعقد لذلك مؤتمرات، ولا دُعي المجلس الوطني الفلسطيني (السلطة العليا للفلسطينيين).
2- إن فصائل عديدة وكبيرة -إسلامية ووطنية- من الفلسطينيين رافضة لهذا الحل، بل الانقلاب المفاجئ، وتراه استسلامًا لا سلامًا، وتنازلاً عن حقوق ضخمة في غير مقابل. وشخصيات كبيرة رفضت التوقيع على هذا الهوان، منهم أعضاء في اللجنة التنفيذية، مثل فاروق قدومي الذي قال: لا أوقع على شهادة وفاة قضية فلسطين! ومنهم أعضاء استقالوا مثل عبد الله الحوراني الذي قال بالحرف الواحد: إني أرى هذا الاتفاق تنازلاً عن حقوقنا الوطنية والتاريخية، وقرارات مجالسنا الوطنية في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتثبيتًا للاستيطان، وتجاوزًا لحقوق الإنسان الفلسطيني، واتفاقية جنيف الرابعة، وإسقاطًا لحقنا نحن الأربعة الملايين لاجئ فلسطيني في العودة إلى وطننا، وفق قرار الأمم المتحدة رقم (194) لعام (1949م)؛ لأنه يتجاهل ذلك تمامًا...إلخ ما قال، وما أبلغ وأصدق ما قال.
3- إن فلسطين ليست ملك الفلسطينيين وحدهم، والقدس ليست قدسهم وحدهم، والأقصى ليس أقصاهم وحدهم، إنها ملك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وليست ملك هذا الجيل وحده، بل ملك الأجيال الإسلامية إلى أن تقوم الساعة. فإذا وهن الفلسطينيون أو طائفة منهم لما أصابهم من لأواء وضعفوا واستكانوا، فواجب المسلمين في كل مكان أن يهبوا لإنقاذ القدس، فريضة من الله، والذي أنقذ الله على يديه القدس قديمًا، لم يكن فلسطينيًّا ولا عربيًّا، بل كان بطلاً إسلاميًّا كردي الأصل، عرّبه الإسلام.
4- إن المعركة بيننا وبين بني صهيون مستمرة، نقاتلهم ويقاتلوننا، حتى تأتي المعركة الفاصلة التي نبأنا بها من لا ينطق عن الهوى، وهي التي يكون كل شيء فيها معنا ضد يهود، حتى الشجر والحجر، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبيقال: "تقاتلكم اليهود، فتسلَّطون عليهم، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول الحجر: يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله".
وروى مسلم، عن أبي هريرة، عن النبي"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".
5- إن الرباط مستمر، والجهاد ماض في أرض النبوات، ومسرى الرسول الكريم حتى يأذن الله وحده بالنصر، وينجزه وعده.
روي الإمام أحمد في المسند، والطبراني بسند رجاله ثقات عن أبي أمامة أن رسول اللهقال: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء (أي من أذى) حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس".
لماذا سارعت إسرائيل إلى الاتفاق؟
إن إسرائيل قد سارعت بإقامة هذا الاتفاق؛ لتحقيق أمور ثلاثة تهمها:
الأول: ضرب الصحوة الإسلامية في فلسطين وفي العالم العربي، بل في العالم الإسلامي، وقد كشفوا عن ذلك في كلماتهم حين تحدثوا عن قلقهم من تنامي خطر الأصولية الإسلامية، وقد قال بيريز في زيارته للهند: إننا نضع أيدينا في أيديكم للوقوف في وجه الأصولية الإسلامية المتشددة، أي في قضية كشمير وجامو.
وقد نقلت وكالة رويتر منذ أيام حديثًا لمسئول إسرائيلي قال فيه: إننا لو تباطأنا عن هذا الاتفاق فقد نفاجأ بعد ثلاث سنوات أو أربع بقوة إسلامية تملك صواريخ بعيدة المدى، وربما تملك القنبلة النووية.
وإسرائيل تريد أن تكون هي القوة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك الصواريخ، وتحتفظ وحدها بترسانتها النووية.
الثاني: الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي، ثم العالم الإسلامي كله، ليصبح سوقًا مفتوحة لبضائعها، ومصنوعاتها، ولغزو خبرائها، وغزو نسائها أيضًا. فإسرائيل -كما قال بيريز- تبحث عن الثروة والقوة، فإذا ألغيت المقاطعة وكسر الحاجز النفسي، فتح الطريق أمام إسرائيل؛ لتكسب على كل صعيد.
الثالث: الأمل في أن يتصارع الفلسطينيون فيما بينهم ما بين مؤيدين للاتفاق منتفعين من ورائه، ومعارضين له، رافضين له شكلاً ومضمونًا، وأن يتحاوروا بينهم بلغة السلاح، لا بالألسنة والأقلام؛ وبذلك يصفي بعضهم بعضًا، وإسرائيل تتفرج مشرقة الأسارير!
الصحوة الإسلامية لن تموت:
ونود أن نقول لإسرائيل: إن الصحوة الإسلامية لن تموت بإذن الله، وأن الأصولية ستزداد قوة وإصرارًا، كلما هاجمتها القوى المعادية للسلام.
وعلينا أن نوعّي قومنا بما يدبر لهم، حتى يقفوا كما وقف الشعب المصري من قبل ضد التطبيع، وعلينا كذلك: أن نناشد إخوتنا الفلسطينيين أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يحذروا من أي قطرة دم تراق على أيدي فئة منهم، وألا يكونوا سياط عذاب في يد إسرائيل -تجلد بها ظهر الانتفاضة المؤمنة- ما دام المسجد الأقصى أسيرًا، والملايين مشردين.
دعوة لعلماء المسلمين:
ثم إني أدعو الأحرار من علماء المسلمين، ودعاة الإسلام، ومفكريه: أن يسارعوا بالاجتماع ويتنادوا لإنقاذ الأقصى، وليقولوا كلمتهم فيما يجري من أحداث، وقد قالوها من قبل منفردين، فليقولوها اليوم مجتمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه أحمد وأبو داود.
الكاتب: د. يوسف القرضاوي
المصدر: موقع قصة الإسلام